فيلم "درويش" يعيد المشاهد إلى أربعينيات القرن الماضي بمزيج من الكوميديا الخفيفة والأكشن، من إخراج وليد الحلفاوي وبطولة عمرو يوسف ودينا الشربيني، مع أداء مميز لفريق من النجوم والمواهب الشابة، وصورة بصرية مبهرة تعكس أجواء الحقبة عبر الملابس والديكورات وحركة كاميرا ذكية.
يقول المثل الإنجليزي "Old is gold" أي أن ما هو قديم ثمين كالذهب، وربما لهذا السبب ينجذب الكثيرون إلى الحنين للماضي، وهو ما يوظفه العديد من الفنانين في أعمالهم. وقد نجح الإعلان التشويقي لفيلم "درويش" في استقطاب اهتمام الجمهور، إذ تعود أحداثه إلى أربعينيات القرن الماضي، خاصةً مع مشاركة نخبة من النجوم المعروفين بموهبتهم الحقيقية.
المخرج وليد الحلفاوي أثبت مرة أخرى قدرته على توظيف فريقه الفني بذكاء، مبتعداً عن فكرة "البطولة المطلقة" التي يتمسك بها بعض الممثلين، غير مدركين أن النجم لا يستطيع الحفاظ على مكانته في الصف الأول بمفرده. فالاعتماد على نجوم آخرين من أصحاب الأسماء الكبيرة يمنح العمل عمقاً وضماناً لاستمرارية النجم.
يقود البطولة الفنان عمرو يوسف، الذي يأخذ المشاهد في رحلة مشوقة تجمع بين الكوميديا الخفيفة والأكشن، فيما تقدم دينا الشربيني أداءً مميزاً بدور "زبيدة". ويشاركهما نخبة من المواهب البارزة مثل خالد كمال ومحمد شاهين، إلى جانب الوجوه الشابة: تارا عماد، مصطفى غريب، أحمد عبد الوهاب، وإسلام حافظ، وإن كان الأخير يستحق مساحة أكبر لاستعراض موهبته.
محمد شاهين قدم شخصية "النبيل عماد" بأداء جيد وإن لم يكن الأبرز في مسيرته، لكنه نجح في إبراز تفاصيل الشخصية من الادعاء بالسذاجة إلى التحول الدرامي في النهاية. أما خالد كمال فجسّد شخصية "عباس طالوش" بملامح حادة وصمت معبّر، ما أضفى على الدور قوة لافتة. مصطفى غريب أعاد بأسلوبه الكوميدي شخصية قريبة من "عرابي" في مسلسل "أشغال شقة"، فيما جاء أداء أحمد عبد الوهاب مكملاً للمشاهد الكوميدية مع غريب وعمرو يوسف، رغم أن أداءهما في النصف الأول من الفيلم لم يكن في أفضل حالاته.
الحلفاوي احتفظ بعادته في إدخال ضيوف الشرف، إلا أن بعض الإطلالات بدت غير مبررة، مثل ظهور هشام ماجد، كما حدث سابقاً في فيلم "كتالوج". بالمقابل، كان ظهور الفنانة الكبيرة يسرا، بصوتها راوياً للأحداث وحضورها في مشهدين بنهاية الفيلم، إضافة موفقة.
القصة جاءت مشوقة منذ المشهد الافتتاحي الذي جذب المشاهد وأوحى بأن السرد سيكون غير خطي. كما تميز العمل بجماليات الصورة من خلال الملابس والإكسسوارات التي تعكس أجواء الأربعينيات، إضافةً إلى كادرات لافتة، مثل تصوير القصر وحديقته من الجو، والمشهد الذي جمع بين البالون والقمر ليلاً، والمطاردة الشهيرة في البرومو.
حركة الكاميرا لعبت دوراً أساسياً في إدخال المشاهد إلى قلب الأحداث، ومن أبرز الأمثلة مشهد سقوط "درويش" من السرير، حيث التقطت الكاميرا المشهد من زاوية منخفضة وبحركة مرتبكة تعكس حالة التشويش التي شعر بها. كذلك تم توظيف زاوية الكاميرا من أسفل لشخصية النبيل لتقليل شأنه وإبراز بورتريه خلفه كرمز لاستغلاله في تحريك الأحداث.
بهذا المزج بين جماليات الصورة، وأداء فريق العمل المتناغم، والإخراج الذي يحترم ذكاء المشاهد، يقدم "درويش" تجربة سينمائية تعيد إحياء أجواء الماضي بروح عصرية آسرة.
